spot_img
Homeتراث ومستقبلبرج صافيتا: الحارس الأبيض في قلب التاريخ السوري

برج صافيتا: الحارس الأبيض في قلب التاريخ السوري

spot_img

في قلب مدينة صافيتا، جنوب شرق محافظة طرطوس، ينتصب برج صافيتا شامخًا كأنما يحرس ذاكرة المكان ويستعرض فصولًا من التاريخ السوري العريق. هذا البرج، الذي يعود إلى الحقبة الصليبية، ليس مجرد بناء حجري، بل هو سردية معمارية تحاكي السماء وتهمس بأسرار الحضارات التي عبرت من هنا.

الموقع الجغرافي: بين البحر والجبل

يرتفع البرج حوالي 419 مترًا فوق سطح البحر، متربعًا على قمة هضبة صخرية مستديرة ضمن الشعاب الجنوبية لسلسلة الجبال الساحلية. من هذا الموقع الاستراتيجي، يمكن للعين المجردة أن تلمح الساحل السوري حتى جزيرة أرواد، وطرابلس، والدريكيش، وقلعة الحصن، مما يكشف عن دوره التاريخي كمحطة دفاعية ومركز اتصال بين القلاع عبر إشارات النار والدخان.

العمارة والتكوين

البرج مبني من حجارة كلسية بيضاء، ولهذا سُمي في زمن الحروب الصليبية بـ”البرج الأبيض”. يتألف من أربعة مستويات:

  • الأساس الفينيقي: مغمور جزئيًا، لكنه ظاهر من الجهتين الشرقية والشمالية.
  • الطابق الأرضي: يضم أقبية وسراديب وخزان ماء محفور في الصخر.
  • الطابق الأول: يحتوي على كنيسة ما زالت تُستخدم حتى اليوم.
  • الطابق الثاني: يُعرف بالقاعة الكبرى، ويضم نوافذ ومرامي سهام، وقد بُني في القرن الثالث عشر على أعمدة ضخمة وعقود متصالبة.

البعد الروحي والثقافي

الكنيسة داخل البرج لا تزال نابضة بالحياة، حيث تُمارس فيها الطقوس الدينية من قبل سكان صافيتا، الذين يجمعون بين المسلمين والمسيحيين في تناغم فريد. وتحيط بالبرج كنائس ومزارات مثل كنيسة القديس ميخائيل وكنيسة القديس نيقولاوس، مما يعكس الطابع الروحي العميق للمنطقة.

صافيتا: أكثر من برج

المدينة نفسها تزخر بالمواقع الأثرية مثل حصن سليمان، الكفرون، ومغارة الضويات. وهي ليست مجرد خلفية للبرج، بل شريك في سردية المكان، حيث تتداخل الطبيعة الساحرة مع العمارة التاريخية لتشكل فسيفساء سورية لا تُنسى.