بعد مرور أكثر من 113 عامًا على غرق السفينة تيتانيك في شمال المحيط الأطلسي، يكشف مسح ثلاثي الأبعاد غير مسبوق عن تفاصيل مروعة وجديدة للحظات الأخيرة من الكارثة البحرية الأشهر في التاريخ.
في مشروع مذهل قادته شركة “ماجلان المحدودة” المختصة في رسم خرائط أعماق البحار، تم تصوير الحطام الواقع على عمق 12,500 قدم تحت سطح المحيط بأدق التفاصيل، كاشفًا عن مشاهد درامية غير مسبوقة للحظة انقسام السفينة إلى نصفين بعد اصطدامها بجبل جليدي ليلة 14 أبريل 1912.
المسوحات الرقمية أظهرت مشهدًا مهيبًا لغرفة المرجل، وبعض الغلايات التي بدت مقعرة، ما يرجح أنها كانت لا تزال تعمل أثناء الغرق.
كما كشفت المسوحات عن وجود ثقوب صغيرة بحجم ورقة A4 في الهيكل، تسببت في تسرب المياه إلى ست حجرات، مما أدى إلى الغرق الكامل خلال ساعتين و40 دقيقة فقط، وفقاً لتقرير نشرته صحيفة ” ديلي ميل” البريطانية.
ومن أبرز الاكتشافات أيضًا، صمام بخار في وضعية مفتوحة، ما يعزز روايات شهود العيان عن عمل المهندسين بشجاعة للحفاظ على إضاءة السفينة حتى اللحظة الأخيرة.
هذا الفعل البطولي بقيادة المهندس جوزيف بيل، الذي ضحّى بحياته مع طاقمه ليمنح الطاقم والركاب وقتًا ثمينًا لإطلاق قوارب النجاة، لا يزال يُروى بإجلال.
باركس ستيفنسون، أحد أبرز محللي تيتانيك، صرّح لهيئة الإذاعة البريطانية (BBC): “تيتانيك هي الشاهد الوحيد الباقي من الكارثة، وما تزال تروي لنا قصصًا جديدة… الرؤية الشاملة لموقع الحطام هي مفتاح الفهم الحقيقي لما جرى”.
وقد تمت دراسة عمليات المسح الضوئي هذه من أجل فيلم وثائقي جديد من إنتاج ناشيونال جيوغرافيك وأتلانتيك برودكشنز بعنوان “تايتانيك: القيامة الرقمية”، يتناول إعادة بناء السفينة والأضرار التي لحقت بها باستخدام محاكاة رقمية تستند إلى المسح الكامل للحطام.
ومن خلال المحاكاة الجديدة، يتضح أن القوس – بشكل حرف V – ما زال يحتفظ ببعض معالمه الأصلية، رغم دفنه جزئيًا في الطين، بينما تبدو المؤخرة مشوهة ومفتتة بعد أن اصطدمت بقاع المحيط وهي تدور بعنف. بين النصفين يمتد حقل من الحطام يشمل بقايا أثاث، وأحذية، وزجاجات شمبانيا غير مفتوحة.
الغوص في هذا العالم الغارق يُظهر بوضوح أن الاصطدام لم يُحدث شقًا طوليًا كما اعتُقد سابقًا، بل تسبب بتمزق صغير لكنه قاتل، امتد على طول الهيكل، مما أدى إلى فيضان المقصورات وغرق السفينة في النهاية.
غرقت تيتانيك في الساعات الأولى من 15 أبريل 1912، مودعةً الحياة البحرية في مشهد مأساوي أسفر عن مقتل 1517 شخصًا من أصل 2224 كانوا على متنها، بمن فيهم بعض أبرز أثرياء العالم كجون جاكوب أستور الرابع، وبنيامين جوجنهايم، وإيزيدور شتراوس.
رغم حجمها الهائل ورفاهيتها التي كانت تُعد معجزة العصر، فإن عدد قوارب النجاة كان غير كافٍ لجميع الركاب، نتيجة قوانين السلامة البحرية القديمة، وبعد الاصطدام، أُطلقت نداءات استغاثة وصواريخ إنذار، لكن أول سفينة إنقاذ، “آر إم إس كارباثيا”، وصلت بعد فوات الأوان، لتُنقذ ما يزيد قليلًا عن 700 راكب فقط.
لم يُعثر على الحطام إلا في الأول من سبتمبر عام 1985، لكن حالته الآن تتدهور بسرعة، وقد يختفي بالكامل خلال العقود الأربعة القادمة.
ولا يقدم هذا المسح الرقمي، بأبعاده الثلاثية لمحة بصرية مذهلة فقط ، بل يُعيد الحياة إلى فصل مأساوي من التاريخ البحري، ويجدد التساؤلات عن التكنولوجيا والتصميم.