في قلب مدينة حماة السورية، وعلى ضفاف نهر العاصي، تقف النواعير شامخةً كأنها تدور بالزمن لا بالماء. هذه العجلات الخشبية العملاقة، التي لطالما ارتبطت بصوتها المميز وحركتها الرتيبة، ليست مجرد أدوات لرفع المياه، بل هي رموز حضارية تنبض بتاريخ المدينة وروحها.
ما هي النواعير؟
النواعير هي آلات مائية خشبية ضخمة تُثبت على ضفاف الأنهار وتعمل بقوة دفع الماء. تتألف من عجلة خشبية مزودة بصناديق صغيرة تنقل الماء من النهر إلى أحواض مرتفعة، ومن هناك يُوزع عبر قنوات حجرية ليسقي البساتين والمنازل. في حماة، يبلغ عدد النواعير التاريخية حوالي 17 ناعورة، أشهرها ناعورة المحمدية، وناعورة المأمورية، وناعورة الجعبرية، وناعورة البشريات.
الاسم والدلالة الصوتية
اشتُق اسم “ناعورة” من الفعل “نَعَر”، أي أحدث صوتاً فيه نعير، وهو الصوت الذي يصدر من أقصى الأنف. وقد سُميت بهذا الاسم بسبب الصوت المميز الذي تصدره أثناء دورانها، والذي أصبح جزءاً من ذاكرة المدينة السمعية. هذا الصوت، إلى جانب حركتها الدائرية المستمرة، يضفي على المكان طابعاً روحياً وتأملياً، وكأن الزمن نفسه يدور معها.
رمزية النواعير في الثقافة المحلية
تُعد نواعير حماة من أبرز المعالم السياحية في سوريا، حيث يقصدها الزوار من مختلف أنحاء العالم لمشاهدة هذا الإنجاز الهندسي الفريد. إلى جانب قيمتها السياحية، تمثل النواعير جزءاً من الهوية الثقافية لسكان حماة، وتُستخدم في الفنون الشعبية والاحتفالات والموسيقى. وقد ظهرت في العديد من القصائد والأغاني، كرمز للثبات والدوران الأبدي، وكأنها تروي حكايات المدينة بصوت الماء والخشب.
التحديات وجهود الحفاظ
رغم مكانتها التاريخية، تواجه النواعير تحديات كبيرة، أبرزها الإهمال، وتغيرات المناخ، وقلة الصيانة، مما يهدد استمرارها كرمز حي. وقد ناشد العديد من الخبراء والناشطين بضرورة ترميمها والحفاظ عليها، ليس فقط كمعالم سياحية، بل كجزء من التراث المائي والهندسي الذي يعكس عبقرية الأجداد.
نواعير حماة ليست مجرد عجلات خشبية تدور على ضفاف نهر، بل هي قصائد من خشب وماء، تروي حكاية مدينة عريقة، وتُجسد تلاقي الإنسان مع الطبيعة في أبهى صوره. إنها دعوة مفتوحة للتأمل في جمال البساطة، وعبقرية التاريخ، وضرورة الحفاظ على ما تبقى من إرثنا الحضاري.





