ليس مستغربا المسار التصاعدي لنِسب اللبنانيين الذين يتوقون الى الهجرة هرباً من الازمات الاقتصادية والمالية والسياسية التي حطمت دفاعات صمود كانوا يمارسونه بتدوير زوايا متطلباتهم وحاجاتهم.واذا كانت الازمة الحالية هي من أشد الازمات التي مرت على اللبنانيين ودفعتهم الى الهروب أفواجا من بلد أفرغته مصالح السياسيين والطوائف وحطمته ايادي الفساد، بيد أن عجلة الهجرة لم تتوقف في أي مرحلة من المراحل التاريخية، وإن بنِسب متفاوتة. فالاحداث السياسية والعسكرية التي فرضت على اللبنانيين الهجرة بكثافة في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر تكررت في القرنين العشرين والحادي والعشرين. الهجرة الحديثة تتشابه بأسبابها ودوافعها مع الاسباب والمنطلقات السابقة، ليعيد التاريخ نفسه ويودي بالمهاجرين الجدد الى اي بقاع يصلونها آمنين، في أي وطن يمنحهم الكرامة الإنسانية، ومع اي فرصة عمل جديدة تليق بشهاداتهم وخبراتهم وإبداعاتهم، تعيد منحهم الأمان والإستقرار الاجتماعي والإقتصادي، من دون الالتفات الى الوراء أو التأسف على الماضي، بل باندفاع يشي بأن اليأس وفقدان الأمل بالغد، استوطن عقول اللبنانيين وقلوبهم، وسقط إيمانهم بمستقبل البلد سقوطاً مريعاً، فانعكس ذلك على مشاعرهم وآمالهم بعودة الاقتصاد ومعدلات النمو الى سابق عهدها. وما الارقام التي رصدتها مؤسسة “غالوب” العالمية لاستطلاعات الرأي إلا دليل على الاحباط الذي يعيشه اللبناني، حيث سجل عام 2021 أرقاما قياسية جديدة للمشاعر السلبية، إذ يقول 3 من بين كل 4 أشخاص انهم يعانون من الإجهاد، فيما يقول أكثر من 50% إنهم يشعرون بالحزن الشديد والغضب، ويؤكد 9 لبنانيين من بين كل 10 أشخاص أنهم يجدون صعوبة في تدبير أمورهم، وهذه النسب تعتبر مستويات جديدة تسجلها استطلاعات “غالوب” على مدار 16 عاما.موجات الهجرة بين الماضي والحاضرمذ شق أول لبناني عباب البحر بحثاً عن موطئ “حياة” وعيش كريم آخر، واللبنانيون موسومون بأنهم أبناء البحر والسفر ومدمنو هجرة. تعددت الأسباب والترحال الى فرص وآفاق جديدة، وبلدان واعدة. وصلوا الى الاميركتين والبرازيل وأوروبا وعبروا الهند وصولا الى الشرق الأقصى، وقلّما وُجد وطن ليس فيه لبناني يخبر عن موطنه الاول ويغنّي الحنين الى…