spot_img
Homeتراث ومستقبلبصرى الشام: مدينة تتنفس التاريخ وتروي حكايا الحضارات

بصرى الشام: مدينة تتنفس التاريخ وتروي حكايا الحضارات

spot_img

في قلب الجنوب السوري، وعلى أطراف سهل حوران الخصيب، تقف بصرى الشام شامخة كأنها مرآة الزمن، تعكس وجوه الحضارات التي مرّت من هنا، وتركت بصمتها على حجارتها السوداء، وأقواسها الرومانية، ومآذنها الإسلامية.

مدينة من نور على طريق الحرير

بُصرى، أو كما تُعرف بـ”بصرى الشام”، ليست مجرد مدينة أثرية، بل كانت عاصمة دينية وتجارية ومركزًا إداريًا هامًا منذ آلاف السنين. كانت محطة رئيسية على طريق الحرير، تربط الشرق بالغرب، وتستقبل القوافل القادمة من الصين والهند وبلاد العرب.

ويُروى أن النبي محمد ﷺ مرّ بها في صغره خلال رحلاته التجارية، وهناك التقى الراهب بحيرى الذي تنبأ بنبوته، في مشهد خالد من ذاكرة التاريخ الإسلامي.

مسرح بصرى: حين تتحدث الحجارة

من أبرز معالم المدينة، مسرح بصرى الروماني، الذي يُعد من أكمل المسارح الرومانية في العالم. يتسع لأكثر من 15,000 متفرج، وقد حافظ على هيبته المعمارية رغم الزلازل والحروب. حوله، شُيّدت أبراج دفاعية في العهد الأيوبي، فصار المسرح قلعة تحرسها الأسوار والخنادق.

فسيفساء حضارية: من المعابد إلى المساجد

بصرى ليست رومانية فقط، بل هي فسيفساء حضارية:

  • الجامع العمري: أول مسجد بُني في سوريا بعد الفتح الإسلامي.
  • سرير بنت الملك: معبد وثني تحوّل إلى رمز أثري.
  • الكاتدرائية البيزنطية ودير الراهب بحيرى: شواهد على التنوع الديني.
  • الأسواق الأثرية تحت الأرض، والأقواس النبطية، والحمامات الرومانية.

كل زاوية فيها تحكي قصة، وكل حجر فيها يحمل توقيع حضارة.

بصرى في زمن الحرب: ذاكرة تنزف

رغم إدراجها ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو منذ عام 1980، لم تسلم بصرى من ويلات الحرب. فقد تعرضت معالمها للقصف والتعديات، وسُرقت بعض آثارها، وتوقفت حركة السياحة التي كانت تنبض بالحياة في مهرجان بصرى الدولي.

لكن المدينة، كطائر الفينيق، لا تزال تنتظر من يعيد إليها الحياة، ويُرمم جراحها، ويُعيد لها زوارها.

بصرى اليوم: مدينة تنادي من يعشق التاريخ

بصرى ليست مجرد أطلال، بل هي دعوة مفتوحة لعناق التاريخ. هي مدينة يمكن أن تتحول إلى مركز عالمي للسياحة الثقافية، لو أُعيد لها الاعتبار، وتم ترميم آثارها، وتفعيل مهرجاناتها.