spot_img
Homeتراث ومستقبلدورا أوروبوس المدينة التي تنفست حضارات العالم

دورا أوروبوس المدينة التي تنفست حضارات العالم

spot_img

في قلب البادية السورية، وعلى ضفاف نهر الفرات، ترقد مدينة دورا أوروبوس كأنها وشمٌ خالد على جسد التاريخ. ليست مجرد أطلال، بل هي مرآة لحضارات تعاقبت، وأديان تعايشت، وأفكار عبرت من الشرق إلى الغرب عبر طريق الحرير.

الموقع والهوية

تقع دورا أوروبوس في منطقة الصالحية بمحافظة دير الزور، وقد تأسست عام 300 قبل الميلاد على يد السلوقيين الذين أعادوا بناءها بعد أن كانت مدينة بابلية. سُميت “أوروبوس” نسبة إلى مدينة مقدونية، ثم ضمها الرومان عام 165م، قبل أن يحتلها الساسانيون ويدمروها عام 256م.

فسيفساء حضارية

ما يميز دورا أوروبوس ليس فقط تعاقب الإمبراطوريات، بل تنوع سكانها وثقافاتهم. كانت بوتقة انصهرت فيها الأعراق: سوريون، يونان، فرس، رومان، وبربر. أما الديانات، فكانت المدينة تحتضن ما لا يقل عن خمس ديانات في آنٍ واحد، من بينها اليهودية والمسيحية والديانات السورية القديمة، إلى جانب الآلهة اليونانية والرومانية.

ومن أبرز معالمها:

  • أول كنيسة منزلية في العالم
  • كنيس يهودي مزخرف برسومات تُعد من الأجمل تاريخيًا
  • أربعة عشر معبدًا لديانات مختلفة، تجسيدًا لروح التسامح والتعايش

أهمية استراتيجية

بفضل موقعها عند تقاطع طرق التجارة ونهر الفرات، كانت دورا أوروبوس حصنًا دفاعيًا هامًا، خاصة في العصر الروماني. اعتبرها الرومان خط الدفاع الأول على الحدود الشرقية، واهتموا بتحصينها وتطوير بنيتها.

اكتشافات أثرية مذهلة

في عشرينيات القرن الماضي، كشفت الحفريات عن جداريات تمثل كاهنًا سوريًا وضابطًا رومانيًا، إلى جانب لوحات دينية نادرة. وقد شارك في التنقيب علماء من أمريكا، بلجيكا، فرنسا، وروسيا، ما يعكس أهمية الموقع عالميًا.

لماذا تستحق دورا أوروبوس أن تُروى؟

لأنها ليست مجرد مدينة منسية، بل قصة عن التعدد، والانفتاح، والتلاقح الثقافي. هي شهادة على أن الشرق الأوسط لم يكن يومًا هامشيًا في التاريخ، بل كان قلبًا نابضًا للحضارة.