من فيينا، تلك المدينة التي اعتاد السائح أن يراها في صورة القصور المهيبة والمقاهي العريقة وأصوات الموسيقى الكلاسيكية، يمكن لرحلة قصيرة لا تتجاوز نصف ساعة بالسيارة أن تنقلك إلى عالم آخر مختلف كليا.
هناك، في بلدة هادئة تدعى “هينتر بروهل”، تختبئ مغارة “زيغروتي Seegrotte Hinterbrühl” أو ما يعرف بكهف هتلر، هذا الكهف الذي يحتوي على أكبر بحيرة جوفية في أوروبا.
نشأت هذه المغارة في الأساس من أعمال استخراج الجبس في القرن الـ19، وحين توقفت أعمال التعدين راحت المياه تتسرب شيئا فشيئا، حتى تشكّل في أحضانها أكبر بحيرة جوفية لونها فيروزي مائل إلى الخضرة.
المكان في حد ذاته يكفي ليأسر الزائر بجماله الطبيعي، لكن التاريخ قد خط فيه سطورا أشد غرابة حين حوّله النازيون بأمرٍ من هتلر في أربعينيات القرن الماضي إلى مصنع سرّي لتجميع طائراتهم النفاثة من طراز “هي 162″، مستفيدين من عزلة الكهف وطبقات الصخر التي تحميه من أعين العدو.
واليوم، يقف السائح في الممرات ذاتها التي اختبأ فيها النازيون، بل يستطيع رؤيتهم وهم يمارسون أعمال الحفر ويصنعون قطع الطائرات من خلال تماثيل توضيحية وضعت للعرض في ممرات المغارة.
تأخذ لحظة النزول إلى الأعماق الزائر في رحلة زمنية ومكانية معا، فتقود السلالم الضيقة إلى قاعة صخرية واسعة تغمرها برودة منعشة، ثم يظهر المشهد الأجمل حين ترى سطح الماء التركوازي الذي يملأ المغارة وكأنها بحيرة مسقوفة.