في اكتشافٍ أثريّ استثنائي قد يغيّر فهمنا للبدايات الأولى للتعبير الإنساني، أعلن علماء الآثار في تركيا عن العثور على وجهٍ بشري منحوت على عمودٍ حجري يعود إلى أكثر من 12 ألف عام، في موقع قرههان تَپِه (Karahan Tepe) الواقع جنوب شرقي البلاد. ويُعتقد أن هذا الوجه هو أقدم تمثيلٍ ذاتيّ للإنسان تم اكتشافه حتى اليوم، ما دفع بعض الباحثين إلى وصفه مازحين بأنه “أول سيلفي في التاريخ”.
الوجه، الذي ظلّ مطموراً تحت الأرض لأكثر من 11 ألف سنة، نُحت على عمودٍ حجري على شكل حرف “T” يبلغ ارتفاعه نحو 1.4 متر، ويُظهر ملامح واضحة تشمل جبهةً مرتفعة، وتجاويف عميقة للعينين، وأنفاً مستقيماً. ويُعدّ هذا الاكتشاف الأول من نوعه في الموقع الذي اشتهر سابقاً بأعمدته المزخرفة برموزٍ وأشكالٍ لحيوانات وأطراف بشرية، دون أيّ تمثيلٍ للوجه الإنساني، وفقا لموقع dailygalaxy.
وقال عالم الآثار نجمِي كارول (Necmi Karul)، المشرف على الحفريات في قرههان تَپِه، في تصريحات لصحيفة The Art Newspaper: “كان هذا هو العنصر الوحيد الذي لم يُعثر عليه من قبل على الأعمدة، والآن بات لدينا قطعة مفقودة من لغز الرموز التي تركها أسلافنا”.
وأضاف أن العمود اكتُشف داخل بناءٍ يحتوي أدوات منزلية كأحجار الطحن، ما يشير إلى أنه ربما كان يجمع بين الرمزية والاستخدام اليومي.
ويُعتبر موقع قرههان تَپِه جزءاً من منطقة أثرية واسعة تُعرف باسم تاش تَبِلَر (Taş Tepeler)، وتضم مواقع من العصر الحجري الحديث، أقدمها غوبكلي تَپِه (Göbekli Tepe)، غير أن الدراسات الحديثة تشير إلى أن قرههان تَپِه قد يكون أقدم بعدة قرون، إذ تم تحديد أكثر من 270 بنية معمارية فيه، بينها أكثر من 260 عموداً قائماً، كثيرٌ منها يحمل نقوشاً لحيوانات كالثعابين والفهود والنسور والثعالب، إضافة إلى رموزٍ تجريدية وأطراف بشرية.
ويعيد هذا الاكتشاف طرح تساؤلات جوهرية حول تطوّر الوعي الإنساني ورمزيّات العصر الحجري. فالموقع يعود إلى فترة تسبق ظهور الزراعة، ما يدحض الفرضية القديمة التي اعتبرت أن الزراعة كانت سبب استقرار الإنسان. ووفقاً لكارول، فإن “الزراعة لم تكن سبب الاستقرار، بل نتيجته، وهذا الوجه المنحوت دليل على بدايات الوعي الذاتي والتعبير الفني لدى الإنسان”.
من جانبه، وصف وزير الثقافة والسياحة التركي محمد نوري إرسوي الاكتشاف بأنه “أول مثال لشخصٍ من العصر الحجري الحديث ينحت صورته على عمودٍ حجري على شكل T”، مؤكداً أن هذا الاكتشاف يفتح فصلاً جديداً في دراسة بدايات الفن والتفكير الرمزي لدى الإنسان.
وجهٌ حجريّ يحدّق عبر 12 ألف عام، يذكّرنا اليوم بأن الرغبة في تخليد الذات كانت تسكن الإنسان منذ فجر التاريخ.