في عام 2020، أعلنت فرق علمية عن اكتشاف مذهل لموقع أثري ضخم في جنوب شرقي المكسيك، ظل مخفيًا لآلاف السنين تحت الغابات والحقول. هذا الموقع، الذي أُطلق عليه اسم “أغوادا فينيكس”، يُعد أقدم وأكبر منشأة معمارية في المنطقة التي شغلتها حضارة المايا، متفوقًا في حجمه على مدن شهيرة مثل تيكال وتيوتيهواكان، رغم غياب الأهرامات الحجرية المميزة.
هندسة ترابية تكشف تصورًا كونيًا
بُنيت الهضبة الاصطناعية قبل نحو 3050 عامًا، واستخدمها السكان لمدة 300 عام. تضم المنصة المرتفعة جسورًا وقنوات وممرات، وتُظهر تصميمًا صليبيًا متكررًا يتوسطه حفرة تحتوي على قطع طقسية ثمينة. وفقًا للباحث تاكيشي إينوماتا، فإن هذا النمط يعكس تصورًا كونيًا لدى المايا، حيث يرتبط التنظيم المكاني بنظام الزمن، ويُحاكي محورًا كونيًا مقدسًا.
تقنيات حديثة تكشف ما خفي
استخدم الفريق تقنية “ليدار” المتطورة، التي أحدثت ثورة في علم الآثار، للكشف عن تفاصيل دقيقة للموقع رغم تغطيته بالنباتات. وأوضحت الباحثة فيرونيكا فاسكيز لوبيز أن المنصة الرئيسية، التي كانت ترتفع 15 مترًا، لا تبدو واضحة للعين المجردة، وغالبًا ما تُستخدم اليوم في الزراعة، مما يجعل اكتشافها ممكنًا فقط عبر الاستشعار عن بُعد.
طقوس وتقويمات دقيقة
يتوسط الموقع ساحة مستطيلة كبيرة تتسع لأكثر من 1000 شخص، تقع عند تقاطع طريقين احتفاليين. في وسطها حفرة صليبية تحتوي على حجر كريم وأصباغ ملونة مرتبطة بالاتجاهات الأربعة. ويشير إينوماتا إلى أن محور الشرق-الغرب يتماشى مع شروق الشمس في تواريخ محددة، ما يعكس ارتباطًا بالتقويم الطقوسي لشعوب ميزوأمريكا.
مجتمع بلا هرمية
لم تُظهر التنقيبات أي دلائل على وجود حكام أو قصور، ما يشير إلى غياب التنظيم الهرمي. ويُعتقد أن الموقع كان يُستخدم للتجمعات الموسمية، وليس للسكن الدائم. ورغم ضخامة الأعمال الترابية، التي تطلبت ملايين أيام العمل، فإنها أُنجزت عبر تعاون جماعي، لا عبر سلطة مركزية.
أهمية أثرية وفكرية
يرى علماء مثل ستيفن هيوستن وأندرو شيرير أن أغوادا فينيكس يمثل تحولًا في فهمنا للمجتمعات القديمة، حيث يُظهر أن الإنجازات المعمارية الكبرى يمكن أن تُبنى في ظل مساواة اجتماعية. كما أن عمر الموقع المبكر وغياب الرموز السلطوية يجعلان منه مفتاحًا لفهم مرحلة غامضة في تاريخ ميزوأمريكا.





